عبدالقادر فلالي: قراءة في السيرة الذاتية الجديدة لأوباما "أرض موعودة" لماذا النكرة!؟( 1 )


عبدالقادر فلالي: قراءة في السيرة الذاتية الجديدة لأوباما  أرض موعودة لماذا النكرة ـ1

عبدالقادر فلالي ـ أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوتاوا

بعبارة أدق لماذا لم يكن العنوان مُعرّفا "الأرض الموعودة"؟ هل بسبب اليقين أن تلك الأرض الموعودة هي في حقيقة الأمر حلم "أرضٍ موعودةٍ" بعيدة المنال على الأقل في المستقبل القريب؟ أم هي الأمل والحذر معا اللذان يجسدان الوعد ب "أرض موعودة". "موعودة" هي الأقرب حين الترجمة الى اللغة العربية عوض "الميعاد"

كون الأولى مبنية للمجهول وهذا ما تعنيه في الكتاب الذي لخصته عبارة أوباما حينما قال:" أمريكا كتجربة مهمة للعالم ليس بسبب حوادث التاريخ التي جعلتنا أقوى دولة على وجه الأرض، ولكن لأن أمريكا هي أول تجربة حقيقية في بناء ديمقراطية كبيرة متعددة الأعراق ومتعددة الثقافات. ولا نعرف حتى الآن ما إذا يمكن أن تصمد." سوف نقوم في هذا النص بتلخيص لأهم نقاط السيرة الذاتية ثم بعد ذلك نقدم قراءتنا لهذا العمل مع الختم بتصور خلدوني لأمريكا اليوم.

سياق السيرة الذاتية

الأرض الموعودة ذات شُحنة دينية مسيحية عميقة، والعبارة جاءت في سفر التثنية في العهد القديم، عن النبي موسى عليه السلام وأتباعه، إلا أنها اقتبست كذلك من خلال خطاب "وصلت إلى قمة الجبل" لزعيم الحقوق المدنية القس "مارتن لوثر كينغ" في كنيسة بمدينة "ممفيس" بولاية "تينيسي". حيث يشكل هذ الخطاب حدثا هاما في مخيال ووجدان الأفارقة الأمريكيين الذين يعتبرونها استشرافاً لوداع الزعيم "كينغ"، وخصوصاً أنه اغتيل في اليوم التالي، حيث استطرد في القول

"رأيت الأرض الموعودة، وإن لم أكن معكم حينها، فإني أريدكم أن تعلموا أننا كمجموعة ناس سنصل إلى الأرض الموعودة". وحين تم الإعلان عن فوز باراك أوباما في الانتخابات الأميركية، صاح أنصاره ومؤيدوه بترديد "خطاب كينغ"، واعتبروا ما حصل تحقيقاً لما توقعه القس. "أرض موعودة"هو الجزء الأول من مذكرات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. ويغطي الكتاب فترات من مسيرته السياسية الأولى، وحملته الانتخابية في عام 2008، إلى ليلة مقتل أسامة بن لادن في 2011.

"إنه بدلاً من أن تكون لدي "روح ثورية"، "كنت مصلحًا ومحافظًا في الرؤية"

الكتاب تتجاوز عدد صفحاته السبع مائة صفحة بتفاصيل و مناقشات مكثفة حول الأزمة الاقتصادية التي كانت تواجهها البلاد عندما تولى منصبه، ومؤتمره الأول لمجموعة العشرين، والسياسة الخارجية، والرعاية الصحية، وإقرار قانون لها بأسعار معقولة، والحرب في أفغانستان مغطيا بذلك مذكرات ولايته الأولى، التي انتهت بمقتل أسامة بن لادن في عام 2011 ، هذا لم يمنع أوباما من تفريغ قلمه على "ترامب" بسبب "قواميسه العنصرية"، أو تتبع جذور الحزب الجمهوري اليوم و "قوى الظلام" التي أطلقتها مرشحة نائبة الرئيس المرشح "ماكين" عن الحزب الجمهوري "سارة بالين".

عند تتبع الشهرين الأولين من توليه المنصب، حينما كان النظام المالي العالمي على وشك الانهيار، يجد الرئيس نفسه "من نواحٍ عديدة" يتفق مع "النقاد المفكرين" الذين يأسفون لأن "وول ستريت" لم تتعلم درسها. ربما كان ينبغي عليه اغتنام الفرصة لتفكيك البنوك الكبرى "وإرسال المجرمين البيض إلى السجن". فيجيب عن هذا السراب من الأسئلة ويقدم أكثر وصف موجز لشخصيته السياسية بقوله: "إنه بدلاً من أن تكون لدي "روح ثورية"، "كنت مصلحًا، محافظًا في المزاج". وهذا المزاج المحافظ منع تقريبًا كل التغيير من الاقتراب من أحلامي في الثورة". تعلم أوباما أن الشعارات والتهاليل الفياضة شيء والواقع أمر آخر.

كان براغماتيا حتى أنه يعبر عن نوع من الشوفينية الشعرية حين استقباله كل الانتقادات ضد الولايات المتحدة تقريبًا والتي كانت بالنسبة اليه مجرد مقدمة لدفاع أنيق وحيوي. يذكره "فلاديمير بوتين" بالعرابين الأقوياء والأذكياء الذين كانوا يديرون "آلة شيكاغو". "نيكولا ساركوزي"، الجريء والانتهازي. "ليندسي جراهام" السيناتور الجمهوري الذي وصفه بذلك الرجل الذي يظهر في فيلم التجسس أو السرقة والذي يُساءل ويحقق مع الجميع لإنقاذ جلده. لم تكن لدى "سارة بالين" أي فكرة عما كانت تتحدث في موضوع الحكامة.

تحول المؤسسة الجمهورية

في تتبع اللتحول الشعبوي داخل الحزب الجمهوري إلى غاية "رئاسة ترامب" يرى أوباما في “سارة بالين" نائبة جون ماكين المرشحة عام 2008، صاحبة الرصاصة التي ساعدت على إطلاق الموجة الشعبوية. فكان جليا إشعاع وقوة جذب مسيرات "بالين" مقارنة بتجمعات "ماكين" الذي كان من المفروض أن يكون رئيسها وللقاعدة المريبة الجمهورية حيث غذت وأسالت لعاب المتعطشين لخطاب هوياتي ضيق استعماري.

حول المذهب الوطني. يستطرد أوباما قوله إن الموجة الشعبوية حرضت عليها "قناة فوكس نيوز" وغيرها من وسائل الإعلام اليمينية، وشجعت على نشرها مواقع التواصل الاجتماعي غير المهتمة بمدى تأثير هكذا خطاب على الديمقراطية. يتبع

تاريخ النشر : 02-12-2020