النبش في مذكرات مدينتي : النافذة موضوع القصة

المصدر : السيد المحترم حساني محمد بن الماحي

كتبها احمد اسماعيلي

النبش في مذكرات مدينتي: القصة التي سأرويها تعتبر من الطرائف التي حدثت بمدينة عين بني مطهر في زمن بعيد . القصة جرت أطوارها في بداية الأربعينات من القرن الماضي وبفترة كان المغرب تحت الاستعمار الفرنسي الغاشم. يحكى أن احد رعيان الغنم ( قطيع لا يتجاوز 5 أو 6 من الماعز) يدأب بين الفينة والاخرى على ترك قطيعه يرتع بمحيط مركز الأشغال العمومية التي كانت بتلك الفترة ثكنة عسكرية للجنود الفرنسيين المتواجدين بالمدينة. وقد كانت تلك المنطقة آنذاك خالية من السكن ومليئة بالعشب جعلت منها أرضية خصبة ومناسبة لهذا الراعي المسكين.

وبأحد أيام الربيع المزهرة وبينما هو مستلق كعادته وبيده كسرة الخبز الأسمر وماء وقطيع الماعز منتشر حواليه، تسلل الى حاسة الشم لديه رائحة اعداد الخبز هي ليست بالبعيدة عنه كما انها ليست برائحة الخبز الذي اعتاد تنسمه. لم يفكر صاحبنا برهة ولم يتوان للحظة في تتبع هاته الرائحة التي ربما انسته قطيعه حتى وجد ضالته. ازداد فضوله اكثر فاكثر بعدما تعذر عليه رؤية ما يجري بداخل تلك القاعة التابعة للثكنة العسكرية، إذ لم يجد امامه سوى بعض الأحجار التي وضعها ليتمكن من معرفة ما يجري بالداخل دون ان يكترث بالعواقب.

اتضحت له الرؤية في الأخير إذ الأمر ما هو الا وجود مخبزة (فران) خاصة باعداد الخبز اليومي للجنود. ومن محاسن الصدف ان الجهة التي يوضع بها أكوام الخبز المطهو قريبة جدا من النافذة المطلة على الجهة التي يرعى بها. بالطبع ودون تردد مد يده للداخل وسحب خبزة واحدة ليتذوق هذا النوع من الخبز ويدرك بعدها ان الفرق بين الخبز المعد من طحين ابيض لا علاقة له بما يتناوله المواطن بتلك الفترة العصيبة معيشة. ومع مرور الأيام ازداد طلب صاحبنا فاصبح يسحب اكثر من واحدة ليفرح به عائلته ومعارفه منتشيا بفعله ومتوهما انه يحسن صنعا.

هنا بدأت المشكلة حيث اكتشف الساهرون على تدبير الاكل بمطبخ الثكنة ان هناك خصاص في مادة الخبز ما دفع بهم ان يبحثوا في الموضوع ليتضح لهم ان هناك شخص من خارج الثكنة يشاركهم الوجبة. هذا الامر الذي دار بين المسؤولين سمعه احد الأشخاص بداخل الثكنة وهو جزائري الأصل ومجند بالقوات الفرنسية. لم يكذب هذا الاخير خبرا كما يقول إخواننا المصريين وأبلغ الخبر للراعي المسكين بطريقة لا تلفت انتباه الحراس. وكانت الخطة المتفق عليها بين الجنود الفرنسيين هي وضع جندي بالقرب من تلك النافذة وبيده سكين (مقدة) وظيفته حينها هي الاجهاز على يد الشخص سارق الخبز دون تردد.

وصل الخبر للراعي عن طريق المجند الجزائري وحذره ان يعاود العملية خشية أذيته، انما كان للراعي رأي آخر. فبعدما شك في الامر طور من خطته حيث أحضر قضيبا حديديا طويلا شيئا ما وقام بإمالة احد الطرفين الغرض من هذا هو استبدال وسيلة سحب الخبز بدل استعمال يده والوقوف على حقيقة رواية المجند إياه.

ذهب كعادته الى نافذة الخبز وما ان تسلل القضيب الحديدي من النافذة حتى نزل عليه سكين كبير بكل قوة جعلت بطل قصتنا يبرح المكان هاربا دون ان يلتفت وراءه تاركا الجمل بما حمل لا هو ظفر بالخبز ولا اصطحب قطيعه معه. تلكم هي القصة التي وددت ان اشارككم إياها وهي قصة واقعية من مصدر موثوق به وأعتبره للامانة شاهد عصر مدينة عين بني مطهر. السيد المحترم حساني محمد بن الماحي شافاه الله وعافاه. كتبها احمد اسماعيلي