حميان هم بنو حميان بن عقبة بن يزيد بن عيسى بن زغبة الهلالي


حميان هم بنو حميان بن عقبة بن يزيد بن عيسى بن زغبة الهلالي

حميان أهل الهمّة والشان

حميان هم بنو حميان بن عقبة بن يزيد بن عيسى بن زغبة الهلالي . وكان بنو عامر بن زغبة من أحلاف بني يزيد هؤلاء، يظعنون معهم في مجالاتهم ويظاهرونهم في حروبهم . ولما ملك يغمراسن بن زيان تلمسان ونواحيها، حسدته زناتة، وتطاول عليه بنو مرين وأحلافهم من المعقل المجاورين له من ناحية الغرب، فاستصرخ بسويد وأقطعهم، وجأجأ ببني عامر من مجالاتهم بصحراء بني يزيد، وأنزلهم في جواره بصحراء تلمسان كيداً للمعقل ومزاحمة لهم، فنزلوا هنالك. وتبعتهم حميان وصاروا في عدادهم.

إستقر حميان مع أحلافهم بني عامر بقبلة تلمسان، يتقلبون في قفارها في المشاتي، ويظهرون إلى التلول في المرابع والمصايف. وتلافت الدولة أمر بني عامر وأحلافهم بالاصطناع والاستمالة وأقطعوهم الكثير من النواحي والأمصار في سبيل الإستظهار بهم. فبسط بنو عامر وأحلافهم سيطرتهم من جنوب تلمسان إلى تيكورارين وما خلفها من القفر، واقتسموا المواطن المشكلة اليوم للمشرية والعين الصفراء والأبيض سيدي الشيخ وفقيق وغيرها. وتملّكوا بساتين النخيل ومنابع المياه والآبار، وجعلوا من قصور الصحراء مخازن لحبوبهم ومستودعات لذخائرهم ومدخراتهم وأوكلوا بها من يحرسها في غيابهم.

ولمّا هبّت ريح العرب سنة 1365م ووطئوا التلول، ودبّوا فيها دبيب الظلال في الفيوء كما هو مشهور، وتملّك بنو عامر تاسالة وملاتة إلى هيدور إلى كيدزة الجبل المشرف على وهران، سكنت معهم في ملاتة بأرض الحفرة وما والاها، فرقة كبيرة من حميان تناهز الثلاثين دوار كما ذكر المشرفي. وبقي أكثرهم بالصحراء، وعمروا مع حلفائهم من بني عامر والعمور والنضر وغيرهم رمالها وتغلبوا في فيافيها، فإمتدت مواطنهم من بلاد الأحرار وجبل عمور شرقا، إلى ملوية ووادي غير من ناحية الغرب. ومن بني مطهر (راس العين) والقسم الجنوبي لسهل تافراته شمالا، إلى القفر جنوبا.

وكانت لحميان بسالة عظيمة ومكيدة شديدة في الحروب كما ذكر المشرفي، جعلتهم كعبة المستضعفين، فقدمت للإحتماء بهم قبائل وفصائل كثيرة، وصاروا كلهم تبع لحميان هؤلاء، ومقتسمون عليهم، وملتمسون مما في أيديهم. فقدمت بعد 1370م بطون وفصائل عربية فيها الكثير من إخوانهم بني يزيد مع المرابط معمر ولد سليمان بن عالية إلى الجنوب الوهراني، الذي إستقر تحت حمايتهم في عربوات، وكان من خلفه سيدي الشيخ. ثم إنضمت إلى هذه القبائل بيوتات قدمت من مناطق شتى، فشاعت بينهم تلك المقولة المشهورة "أحميني نحميك".

تشكّل هذا الحلف الكبير أساسا من بني يزيد بن عيسى بن زغبة، وبني عامر بن زغبة، وممن إجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم. فإن فيهم من بني يزيد أحياء كبيرة من السندان وعكرمة والرزنة وبني عقبة والمرابعة وغيرهم. وفيهم من بني عامر أحياء كبيرة من شافع، وأولاد بالغ والمراحات

وفيهم من الأثبج أحياء من أولاد سرور والمهاية وأولاد جرير و ذوي مطرف. وفيهم من المعقل أحياء كبيرة من أنقاد وأولاد نهار. وفيهم من أشجع الرباعات وغيرهم. وفيهم من الجعافرة بسعيدة المعاشات والصهابة وأولاد حمو. وفيهم أولاد زياد بن إبراهيم بن رومي، والحراكتة من ذوي منيع من غريب، وأولاد سعيد من عمور عين الصفراء، وأولاد خليف من السحاري، وأولاد خشعة من جندل، والزيادنة من أولاد بوزيد بآفلو، وفيهم من المغاربة والبرابرة وغيرهم.

كانت حميان من أعز القبائل وأكثرهم عددا، ثم إنتقل منهم حي كبير إلى وهران كما ذكرنا، ومن بقوا منهم في الصحراء تضخموا بمن إجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم، فإنقسموا إلى شراقة وغرابة، وكانت تنشب بينهم نزاعات وحروب على المراعي ومنابع المياه، ثم تنطفئ ويعود الأمن والهدوء، حتى تدخلت أطراف من خارج القبيلة وحرضت بعضهم على بعض، فإفترقوا. إحتفظ الغرابة باسم حميان، وإنقسموا إلى شافع وجنبة. وأخذ الشراقة إسم الطرافي وأولاد زياد والرزاينة.

بايعت حميان الأمير عبد القاد، وجاهدوا معه جهاد الأبطال، فعين مبخوت ولد أحمد قائدا على أولاد منصورة منهم، ودَمُّوش ولد عبد الله على أولاد خليف، وأحمد بن عبد الله على عكرمة، وبوسماحة بن معاشو على بني مطرف، وميلود ولد لعرج على المغاولية، ومحمد بن ضيف الله على أولاد تومي، ومحمد بن عمارة على البكاكرة.

في سنة 1845 كانت حميان منقسمة إلى مجموعتين:

ـ حميان الشراقة أو الطرافي التابعين لدائرة البيض وتضم: أولاد زياد الطرافي (أولاد عبد الكريم، درّاقة، أولاد ملاّح، أولاد سرور)، وعكرمة، والرزاينة.
ـ حميان الغرابة والرزاينة تابعين لدائرة المشرية ولاية النعامة وتتكون من:
شافع وتضم: عكرمة، أولاد منصورة، أولاد خليل، بكاكرة، بني مطرف
جنبة وتضم: أولاد سرور، مغاولية، سندان، مقان، أولاد مبارك، بني عقبة (أولاد تومي، أولاد فارس، فراهدة)، غياثرة (أولاد مسعود، أولاد أحمد).

شاركت حميان في مقاومة أولاد سيدي الشيخ، وشكّلوا القوة الضاربة لمقاومة الشيخ بوعمامة مع إخوانهم العمور والشعامبة وذوي منيع وأولاد جرير، ولمّا تعقبتهم جيوش الإحتلال أرهقوها وأعجزوها، فعمدت سلطات الاحتلال إلى بناء مركز عسكري لمراقبة تحركاتهم، وشرع الجنرال فيكتور مارتان كولونيو (Colonieu) سنة 1881 في بناء هذا المركز عند منبع ماء على أنقاض أطلال قصر قديم. تطور هذا المركز إلى مجمع فقرية. وفي سنة 1885 استحداث سلطات الإحتلال ملحقة المشرية التابعة لدائرة العين الصفراء، وكانت تضم القبائل التالية: عكرمة، بكاكرة، بني مطرف، أولاد منصورة، أولاد سرور، مقان، أولاد التومي، المغاولية، الفراهدة، أولاد فارس، أولاد مبارك، الغياثرة ( أولاد مسعود وأولاد أحمد)، سندان، أولاد خليفة.

وفي الرابع من مايو 1907 تم تحديد أراضي قبيلة الرزاينة الغرابة والشراقة، و قبيلة أولاد السرور.
وفي العشرين من أبريل 1910 أصدر الحاكم العسكري العام للجزائر قرارا بضم قبيلتي الرزاينة الشراقة والغرابة إلى دائرة المشرية.

وفي سنة 1915، إنبهر ضابط عسكري سامي بالجيش الفرنسي أسندت له مهام مدنية وإدارية في المشرية بنموذج حياة قبائل حميان الهلالية، فكتب عنهم وثيقة تاريخية وإجتماعية تطرق فيها إلى جميع الأبعاد تقريبا، ورغم تحفظنا على بعض ما جاء فيها من أخطاء، إرتأينا نقل هذه الفقرة المترجمة لإعطاء صورة عن قوة وشجاعة وفروسية هذه القبائل.

« حميان! بالنسبة للذين أقاموا بالجنوب الوهراني في عصر البطولات، يرنّ هذا الإسم كنغمات حربية تفجر في نفسه تصور ركوب الخيل لجولات رائعة وإنجازات حربية زاهية!
مع ذلك، أثناء مسيرتنا المتواصلة نحو الجنوب،كنا نلتقي بهؤلاء الفرسان الأشداء، السرعاء، الأخفّاء، في حالة تأهب مستمر، مستعدين دائما للقتال، قادرين على بذل أي مجهود وقابلين لأي وفاء أو تفان إذا ما عرف المسؤول الفرنسي الذي يقودهم كيف يكسب قلوبهم بعزمه وشجاعته وعدله.
كتابة تاريخهم لا تكون إلا تحفة أديب أو شاعر لأنه لا تتلاءم مع أعمالهم الباهرة إلا الأهازيج المرفوقة بالحركات.

فخورون وطائشون وقليلو دين، فهم قبل كل شيء عصبيون ومندفعون.
كانوا يحبون القتال لأجل ذلك ولا يخشون المخاطر ولكنهم يعشقون السلب والغزو لا للفائدة التي يجتنونها منه فحسب، بل كذلك بالعودة بالإنتصار من بعد ذلك إلى الدوار حيث زغاريد النساء تملأ قلوبهم فرحا وبهجة وتجعلهم يتمنون حظوظا أخرى، لأن النصر يتوج المحارب بإكليل يولّد فيه الإنفعال والحماس تحت أي سماء.

رغم أنهم أقل تدين، فإن أحميان يخشون شيوخ الطرق الصوفية؛ حيث أن هؤلاء البدو يمكن أن يتبعوا شيوخهم إلى سبل وخيمة على قضيتنا.

إنهم بدو كثيرو الترحال، دواويرهم تتنقل بدون توقف عبر السهوب الشاسعة أين نرغمهم على العيش لأسباب ضرورية رغم عدم توفر الماء وكذا الظروف القاسية للحياة التي يواجهونها.
الخط الضيق والوعر المتكون من جبل عنتر، المتواصل بجبلي بوخشبة وقطّار، هو وحده الذي يكسر من الجهة الشرقية ملل هذه المساحة المترامية الأطراف التي تظهر مجدبة وقاحلة، إلا أن ظروفا طبيعية مواتية جعلت الماشية تجد وسيلة العيش والتكاثر والفائدة.

حميان مولعون بحب الغزو تماما كما يعشقون حرية الحركة من خلال البداوة والترحال.
الصحراء (ﭭورارة أو منطقة توات) موطنهم في الشتاء، في الصيف ينتقلون إلى نواحي تلمسان وسبدو، في الربيع والخريف فقط يرجعون إلى بلدهم مجمع "المشرية"، متنقلين دون توقف بحثا عن الكلأ.

منذ زمن قريب فقط، كان سادة قومهم يقومون بتنقلاتهم على يقظة دائمة، عيونهم على الكمائن والبندقية على عرض السرج.
كانت الحراسة أحد واجباتهم وأعينهم معودة على تميّز الصديق من العدو في الأفق البعيد، لأنهم كانت لهم على الدوام إما تصفية حسابات مع الجيران أو أخذ ثأر قديم أو القيام بإنتقامات.
الآن وقد أقمنا الأمن عبر جميع هذه المنطقة، تغير الحمياني فأصبح يسمن الماشية ويظهر بمظهر التاجر وبدأ يتعلم التجارة كاليهودي».

المصدر : تاريخ إبن خلدون

تاريخ النشر : 2019/06/30 م