قصة من مدينتي عين بني مطهر


قصة من مدينتي عين بني مطهر

المصدر : أحمد إسماعيلي

قصة من مدينتي :

في إحدى أيام الشتاء الباردة وبالضبط أواخر الخمسينات من القرن الماضي، قرر الشيخ السبعيني ذو اللحية البيضاء أن يقوم بزيارة لإبنتيه المتزوجتين بمدينة عين بني مطهر قادما إليها من مدينة وجدة . هي زيارة دأب على القيام بها بين الحين والآخر لتفقد فلذات كبده وملاقاة الأهل والمعارف هناك وصلة الرحم بشكل عام . لقد عرف بالورع وأداء فروض الصلاة بالمساجد وحضور حلقات الدروس بها كلما سمحت الظروف بذلك . إلا انّ القدر هاته المرة كان يخبأ شيئا ما لهذا العجوز الطيب المؤمن . ومن عاداته كما نبس لي أحد الأقرباء أنه كان يضع إبريق الماء على النار " مجمر " كل ليلة ليجد ماء دافئا للوضوء عند صلاة الفجر .

وصلت الحافلة مساء بحيث آنذاك كانت البلدة تتوفر على حافلة واحدة تنطلق الساعة الخامسة صباحا في إتجاه وجدة وتعود حوالي الرابعة مساء لعين بني مطهر . نزل ضيفا عزيزا كريماً عند إحدى إبنتيه وإجتمع الأحباب في ليلة يحفها الفرح والحب . للعلم شيخنا هذا كان معروفا لدى عامة الناس بالبلدة يحبه الصغير قبل الكبير لسمعته الطيبة .

تفرق الضيوف على أمل أن تكون مأدبة الغذاء عند إبنته الثانية في اليوم الموالي والأمور لحد الآن عادية . قام شيخنا إلى غرفة معدة سلفا له لينام وهو يوصي بوضع الإبريق على النار كما إعتاد أن يفعل . بعدها أطفأت الأنوار وخلد الجميع للنوم . لم تمر فترة ليست بالقصيرة حتى سمع أنين خافت مصدره غرفة الشيخ . لم يكترث أصحاب الدار لذلك ظنا منهم أنه ربما شخيراً أو ما شابه . إلا أن ذلك الأنين لم ينقطع وهنا إرتابت الإبنة وصممت أن تتفقد والدها للإطمئنان عليه . عند دخولها للغرفة وجدت المسكين ماسك بصدره ويإن من شدة الألم . حاولت إسعافه بمعية زوجها رغم بساطة الحياة والوسائل وكان يحاول جاهداً أن يقول شيئا ما وبصعوبة فهمت الإبنة من خلاله أنه يريد أن تنادي على أختها الأخرى وكأنه علم أن النهاية أوشكت والزيارة ما هي إلا وداعه الأخير سبحان الله .

حضر كل الأهل والمعارف وفي تمام الحادية عشرة ليلا أسلم الروح لبارءها بمنزل إبنته في جو حزين وصدمة لم تكن على البال . إنتشر الخبر في الصباح كالنار في الهشيم وبدأت وفود المعزين تتقاطر على المنزل والإستعدادات قائمة على أشدها لمراسيم صلاة الجنازة والدفن . إلا أن الغريب في الأمر هو أن أحد رواد المسجد العتيق بالمدينة عندما سمع الخبر أقسم باغلظ الإيمان أن شيخنا أدى صلاة الفجر بالقرب منه في المسجد . لم يصدقه أحد وأصر هو على كلامه سبحان الله . إنها قصة من واقع مدينتي عين بني مطهر ورواتها منهم من توافاه الله ومنهم من هو على قيد الحياة . وددت أن أشارككم إياها لأنها قصة غريبة ومعبرة .

الشيخ هو الفقير لله بولنوار الرامي

الشيخ الذي روى قصة وجوده بالمسجد أثناء صلاة الفجر الحاج بلعيد رحمة الله عليهم أجمعين

أحمد إسماعيلي

الصورة لابناءه يتوسطهم السيد بوعياد هو من شيد الكنيسة قديماً وإبنه سي أقويدر بوعياد رحمهم الله جميعا .

تاريخ النشر: 12-12-2019 م