من واقع سيرة ذاتية مرحلة التعليم و البحث عن الذات عبر الإحتكاك


من واقع سيرة ذاتية  مرحلة التعليم و البحث عن الذات عبر الإحتكاك

المصدر : رمضان بنسعدون

من واقع سيرة ذاتية : مرحلة التعليم و البحث عن الذات عبر الإحتكاك

كنا أطفال صغار و القرية تعج بالحيوية، نجتمع أمام أفرنة السي العربي و المير و الطاهر و سعود ننتظر أن ينضج الرغيف قبل موعد الغذاء و نحن نقوم بألعاب شتى " دينيفري " و غيرها و البنات تلعبن على مربعات .. كانت والدتي تدع لي إبريق الشاي فوق بقايا الجمر و كسرة الخبز على " الفراح " ألتهمها عقب خروجي عشية من المدرسة ألتهمها بنهم و أخرج للعب في حين هي و أخواتي تذهبن لجلب الماء العذب من حاسي أولاد بنصر النابع أنبوبه من منطقة عكلة السدرة بالليل يحرص علي أبي بحفظ الدروس تحت نور الشمع و أنا على فراش النوم ..

إن البيئة التي نشأنا فيها كانت تفتقد للعديد من المرافق التي يمكن أن يتكون من خلالها الطفل من الجانب التربوي و التثقيفي و الترفيهي كداري الشباب و الثقافة فكان الطفل يكون نفسه بنفسه بقراءة الكتب و الإحتكاك مع الذين يفوقنه مستوى في وقت أنني كنت عصاميا في حسن كتابة الخط و الرسم كملكتين وهبني الله إياهما أشكره على ذلك حيث يعيناني في كسب الرزق ، و كنت أعين المعلمين الذين سهروا على تربيتي في الكتابة على السبورة .. فهناك منا من كان يعين والده في أعباء الحياة ، و هناك من كان يعيل أسرته الفقيرة بالعمل في السوق الأسبوعي مع خضار أو بائع أحذية و ألبسة أو غيره ..

قليلا ما كنا كأطفال صغار نلهوا بالغابة على قدم سفح هضبة الڭارة نصطاد الطيور بشتى الطرق ب " الكونكاري " أو ب " المنداف" أو نتقفى خطى اليرابيع تحت الأرض أو نقتلع " الكيز " و" التافغة " و" الكيطوط " و هناك من يسبقونا بجيل ذكروا بأنهم كانوا يقتلعون الترفاس من فوق هضبة الكارة و من سهب الحرمل ضاحية عين بني مطهر .. كثيرون نهلوا من حرف أبائهم ، و الخاصية التي تميز بها أبناء عين بني مطهر عن غيرهم ، أنه كثيرا منهم كانوا نوابغ في الدراسة ، إننا نشكر الله على معلمينا الذين سهروا على تعليمنا ، كالسراجي و عبد القادر حمداوي و بوعمامة معزوزي و محمد حساني و المرحومين البشير فلالي و بوعزة مجدوبي إنهم كانوا نعم الملقنين ،

لقد أعطت عين بني مطهر رجالات لا يستهان بهم في العديد من المناصب ، سأسوق بعض النماذج على سبيل المثال لا الحصر ، فالمناضل الكبير عمر بنجلون ، الذي قيل أن أترابه بثانوية عبد المومن بوجدة كانت تأخذهم غائلة الغيرة منه مأخذا لنبوغه في التعليم حتى أن أحدا كاد يضربه بقوله " أريني كيف أنك من عين بني مطهر و تدرس خيرا منا" و شخصية عين بني مطهر التي أثرت داخل الأوساط بعاصمة العلم فاس بحيث أن الفاسيون إختاروا من يمثلهم بالبرلمان و يخدم مصالحهم ببلدية فاس " محمد مجدوبي " إبن عين بني مطهر أحد رموز المقاومة بها نظرا لحنكته و كفاءته في تدبير الأمور السياسية ..

تدرجنا في أقسام الإبتدائي بأم المدارس عبد الواحد المراكشي حتى أن قسم الشهادة الإبتدائية كان بمثابة العقبة الكأداء ، قليلون هم الذين كانوا يتخطون هذا الحاجز في مسارهم التعليمي أنذاك خلال سبعينيات القرن المنفلت ، كان للتعليم شأن كبير ، أما اليوم فقد إنحط للحضيض ، درسنا نحن ثلة من أبناء عين بني مطهر كتلاميذ داخليين بثانوية البكري بوجدة و كانت آخر بعثة بحيث أنشئت إعدادية إبن خلدون بالبلدة في العام 1979 و مررنا بمرحلة جميلة جدا في وقت أن بلدة عين بني مطهر قبل عودة أشبال الظهراء لحضيرة عصبة الشرق في كرة القدم

عقب إيقاف من عصبة الشرق كعقاب من طرف رئيسها الذي كانت غائلة الحسد لنادي الأشبال تدفعه لإزاحة هذا النادي الذي كان يعتبر بعبع كل فرق الشرق . و كاد في العام 1972 أن يصعد للقسم الثاني .. خضنا تجربة دوريات الأحياء انتقيت منها عناصر لتعزيز صفوف أشبال الظهراء شهدت خلالها عين بني مطهر نجوم متألقة في مجال الكرة لو أتيحت لهم فرصة اللعب عبر الإحتراف لكان لهم شأن كبير كما هو الحال اليوم حيث أن الآفاق أصبحت رحبة و مواتية للذهاب بعيدا في عالم المستديرة .. كنت خلال العطلة الصيفية أبحث عن آفاق الشغل بغرض مساعدة عائلتي في أعباء الحياة و شراء الكتب

عملت بورش للبناء بالحسيمة صيف 1983 بعد رحلة من عين بني مطهر على متن سيارة سائح إيطالي حتى تطوان مرورا بشفشاون مشيا على الأقدام حتى مفترق الطرق "دردارة /وزان" لتقلنا سيارة ليلا حتى كتامة منها إلى تاركيست مكثت بها مدة أسبوع بدون عمل أبيت في محطة الحافلات فتابعت المسير إلى الحسيمة لم أكترث لذلك رغم صعوبة الظروف فإسترحت هنيهة بقرية بني حذيفة ثم إلى الحسيمة التي مكثت بها 3 أشهر بورش بناء مؤسسة البريد بشارع طارق بن زياد .. و قبل ولوجي عالم الجندية مررت بالتكوين في النجارة ببوعرفة و عملت عاما كاملا بمسابك زليجة للرصاص بوادي الحيمر

كنت أسافر صوبه على متن القطار الرابط بين بوعرفة ـ وجدة ، فشاهدت خلال عملي الكثير من مشاهد الذل و المهانة التي يعيشها العامل البسيط تحت أيدي رؤساء بسطاء هم أيضا ، لكنهم يفعلون ذلك بإيعاز من الإقطاعيين الذين كانوا يستحوذون على خيرات معمل زليجة للرصاص و الذين قيل عنهم أنذاك بحسب مصادر بأن هؤلاء المسؤولين على المسابك في فترة الثمانينيات كانوا يقومون بإختلاس الفضة و الذهب المستخرجة من الرصاص و غيرها و يقومون بمشاريع تخصهم في أماكن أخرى كما كانت لبعضهم طائرة خاصة كانوا يتجولون بها في الفضاء على حساب العامل المسكين

كان أبي رحمه الله يأتي كل شهر لأخذ الراتب بقصد إعالة الأسرة التي إكتوت بلظى الفقر ..و بالخدمة العسكرية إكتسبت منها الشيء الكثير ، خبرة ميدانية في حمل السلاح ، في مواجهة أعباء الحياة ، في كرة القدم العسكرية كنت لاعبا مميزاً أخترت في المنتخب العسكري بالبطولة العسكرية جهة الرباط سلا أنذاك و عقب مغادرتي الجندية خضت تجربة " الحريق " عبر قوارب الموت ،

لكنها فشلت ثم وليت وجهي شطر المشرق ، فهاجرت أول الأمر للجزائر في مرحلة فتح الحدود ما بين 1989/1994 ، فعملت بها ما يناهز العامين بإحدى المخابز بمدينة مشرية و بائعا متجولا عبر الغرب الجزائري من بشار إلى تخوم تلمسان ، لكنني ما لبثت أن توقفت فترة استراحة محارب بغرض تغيير الأجواء ، فسعيت أن أعمق البحث عن آفاق أوسع و أرحب بالإتجاه صوب الجماهيرية الليبية .. (يتبع)

إضغط هنا التجربة الليبية

تاريخ النشر: 12-12-2018 م